الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
ads
ads
د: ياسمين الخالدي
د: ياسمين الخالدي

دكتورة ياسمين الخالدي تكتب | صراع الاجيال

السبت 23/فبراير/2019 - 11:08 ص
طباعة
  

ان من أهم القضايا الشائكة التي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة هي قضية صراع الأجيال خاصة بعد التحولات التي طرأت علينا منها الانفتاح الاقتصادي وما صاحبه من تطور تكنولوجي  وإعلامي والذي زاد من تعمق الهوة بين  جيل محافظ متمسك بثقافته وعاداته وتقاليده القديمة وبين جيل نشأ في ظروف حياتية مختلفة مكسوة بغطاء ثقافي وإعلامي تواصلي منفتح على باقي العوالم مما أدى إلى تصادم بين الجيلين .

فليس الجيل السابق هو نفس الجيل الحالي، ولا أبناء اليوم نماذج مكررة لأبناء الأمس، كما أن ثقافة الغد ليست تكراراً لثقافة اليوم، قد تتفق معها الأجيال الأخرى وقد تختلف.

وتتجلى هذه الظاهرة وبشكل أساسي في مستوى العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة بين الأباء والأبناء حيث أن لكل جيل منطلقاته الفكرية التي تحدد طريقته في الحياة ويكون هذا الاختلاف منطقيا وطبيعيا ضمن سياق التطور الاجتماعي شرط أن لا يتحول هذا الخلاف إلى صراع وتنافر يباعد المسافات الجيلية بين الآباء والأبناء داخل الأسرة التي تعد البنية والخلية الأساسية لبناء المجتمع وإذا حدث أي شرخ داخلها ستحدث بدورها شرخا كبيرا في المجتمع.

الصراع في الإسلام :

عندما بعث الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم كان أول من آمن به السيدة خديجة رضي الله عنها وكان عمرها ( 55) سنة ، وآمن أبو بكر وكان عمره ( 38) سنة ، وآمن بلال وسلمان وصهيب ومصعب بن عمير وكانوا في شبابهم

وتكرر في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ{ الزخرف 23 ، هذه الآية وما في معناها تكررت كثيراً في كتاب الله عز وجل، وتدل على تمسك الشيوخ غالباًـ ومعهم بعض الشباب بما ورثوه عن آبائهم، ومنه مراكزهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولا يريدون التخلي عنها وعن ميزاتها ...

هل يوجد ما يسمى بصراع الأجيال ؟

يحاول الآباء تطبيق أفكارهم ومعتقداتهم على أبناء يعيشون عالماً غير عالم الأهل وأفكاراً قد يعتبرها بعض الآباء خروجاً على الطاعة، وتمرّداً , وبعداً عن مفهوم الأدب والعلاقات الأسريّة. ويميل أبناء اليوم إلى تفضيل المنتديات الإلكترونية والمواقع الاجتماعية وغيرها من وسائل الإعلام الافتراضية، وهم يفضلون النصائح التي تأتي على شكل مواقف من الواقع المعيشي.

وهم لا يقبلون أن يعاملهم أي شخص بشكل فوقي كمن يعطي الأوامر ولا يتوقع سوى الإصغاء ثم التنفيذ.

«لقد تغيرت الظروف وأصبح عدد من الآباء أصدقاء لأبنائهم أكثر منهم آباء لهم، ولذلك فإن تبادل النصح بين الأب وابنه أو ابنته والموظف ورئيسه في العمل سيغدو أمراً عادياً وأكثر تفهماً وقبولاً في المستقبل القريب.

لابد من خلق نوع من التوازن بين تطوير الشباب والاستعانة بأهل الخبرة ، ولابد من الاهتمام بالسيرة المهنية للفرد المعين والمراحل التي مر بها حتى يصل إلى درجة خبير أو مستشار، لافتاً إلى أن الموظفين الجدد يحتاجون إلى الخبرة للاستفادة منها والمستشار أو الخبير لا يمكن أن يأخذ هذا اللقب قبل مرور ما لا يقل عن 30 أو 35 سنة قضاها في مجال تخصصه.

تعـــــاون لا صــــراع :

في سيرة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أنه سلم قيادة جيش متوجه لقتال الروم سلمها لأسامة بن زيد رضي الله عنه ، وفيه الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واختير أبو بكر خليفة، فاستأذن أسامة أن يترك له عمر رضي الله عنه يساعده ، وكان أسامة على حصانه وأبو بكر ماشياً فخجل أسامة وقال لأبي بكر لتركبن أو أنزلن ، فقال أبو بكر وهو ممسك بسرج حصان أسامة ، والله لا تنزل ولا أركب ، ماذا لو غبرت قدمي ساعة في سبيل الله عز وجل ... ونلاحظ انه لا صراع البتة بين الشيوخ والشباب عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل الحب والتفاهم والوئام والانسجام .... فأسامة يحب أبا بكر ويحترمه، وأبو بكر يحب أسامة لأنه أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ...وبشكل عام لا يوجد في الإسلام صراع ،  سوى الصراع بين الحق والباطل ....

هناك بين الأجيال أمور ثلاث تسيطر أو سيطرت على العلاقة التاريخية بين جيلين مختلفين وتتفرع عنها أيضا الكثير من الأمور لكن نسلط الضوء على هذه الامور الاساسية الثلاث:

الأول: الاحترام المتبادل والحوار.

ثانيا: قمع الجيل القديم للجيل الجديد.

ثالثا: تجاهل كل منهما للآخر.

أولا: الاحترام المتبادل والحوار:

يجب على الأجيال الحالية احترام الجيل السابق وتبادل الحوارات معه والاستفادة من خبراته، لكن الجيل السابق الذي حقق الانجازات في أوانه لا يعجبه ما يحصل في الجيل الحالي من تدهور في المستوى والتخبط والنزاع والشقاق وغيره، وفي المقابل يهاجم الشباب وهم أصحاب الجيل الحالي أصحاب الجيل السابق ويقولون لهم أنكم تعيشون على الأطلال والذكريات، فالظروف اختلفت وغيرها من الاحتياجات لو تتوفر لنا الآن لحققنا أكثر ما حققه الجيل السابق، وهذا موجود وكل منهما يتجاهل الآخر ويهاجمه.

ثانيا: قمع الجيل القديم للجيل الحالي:

تجد الكثير من أصحاب الجيل القديم يستهزأ بالجيل الجديد وهذا مؤشر خطير في نسيج العلاقات، لأنه يسبب حقداً وكراهية للمدراء الكبار وقد تصل للمؤسسة بكاملها، حتى وإن كان الماضي مميزا وجميلا وكان فيه من الانجازات الكثير، وكم شاهدنا ونشاهد نقاشات حصل فيها من المشادات الكثير بين الجيلين.

ثالثا: تجاهل كل منهما للآخر:

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل صراع الجيلين هو ظاهرة صحية؟ قصدت من الصراع الجدل بين جيلين والبحث عن الصواب، ويجب عدم تجاهل كل منهما للآخر حتى نمد الجسور بين الأجيال، وتحويل الصراع إلى حوار هادئ شفاف، ووضع جميع الملفات على الطاولة وإظهارها وحصر نقاط الخلاف ودراستها، وتحويل الخلاف بكل شفافية إلى خطط عمل من شأنها أن تجعل الأجيال تنصهر في جيل واحد.

ربما يتساءل البعض كيف يلتقي جيل بفكر قديم مع جيل بفكر جديد؟ وهذا ربما يحصل بأمور منها:

والشاهد من هذا كله أن التلاحم بين الأجيال هو الأصل والتراحم بين الأجيال هو الأصل ولاشك أن هناك من يعمل في الخفاء على شرخ هذا النسيج المهم بين الأجيال واتهام كل جيل للثاني.

تقدير من الاجيال الجديدة للاجيال القديمة:

من صور الاحترام المحمودة اكرام الصغير لمن هو اكبر منه سناً أو اكثر منه وفي حديث صحيح "البركة مع أكابركم "والكبير في قومه لا يليق أن يقابل بغير إكرام جاء في حديث الحسن "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وأحياناً يكون الاحترام الشكلي حتى مع من لا يستحق الاحترام لمصلحة شرعية كما كان من مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لهرقل بـ (عظيم الروم) يقول ابن حجر: "لم يخله من اكرام لمصلحة التالف "وكثيرا ما يحتاج المسلمون للتعامل بالاحترام والتوقير لمصلحة وحدة الصف وتوفير الجهود وتأليف القلوب وإزالة الدخن وإغاظة العدو وبقدر ما يحترم بعضنا بعضاً نكون في نظر الناس محترمين.

إنّ الأمم الراقية لم ترتفع إلّا بالعمل وباحترام ما يعمله أفرادها. لدينا مشكلات كثيرة عالقة لاتحل الا عن طريق الاعتذار والاحترام المتبادل. وان من طبيعة الاشخاص المحترمين انهم يمنحون الاحترام لمن يستحقه ولمن لا يستحقه.

عندما أتحدث مع طفل يثير في نفسي شعورين:

الحنان لما هو عليه، والاحترام لما سوف يكونه . أعترف ان من أصعب الأمور على نفسي فقدان إحترامي لروح كنت أحمل لها الكثير من الاحترام. لا يمكن لأحد أن ينال الاحترام عن طريق فعل ما هو خاطئ. إنني أكن الاحترام لكل من خالفني كما أكنّه لكل من وافقني وأقدر حتى أولئك الذين يشتدون أو يقسون.

نصيحة للأجيال الجديدة والشباب:

أخيراً وليس آخراً لابد للشباب الحالي أن يصبروا ويتفهموا أسلوب الشيوخ الكبار وأن يستفيدوا من خبرات الجيل السابق ويأخذوا أفكارهم وخبراتهم ويطوروها ، ثم يزيدوا عليها فيما بعد، ويعدلوا فيها ما يلزم، حسب مقتضى العصر وظروفه.

ads
ما مدى انتشار واتساع الصحافة الالكترونية بالوطن العربي ؟
ما مدى انتشار واتساع الصحافة الالكترونية بالوطن العربي ؟